ملك وملكة الاردن يقلدان سميرة توفيق اعلي وسام
شائعات كثيرة رافقت المطربة سميرة توفيق في بداية إنطلاقتها قبل نحو خمسة عقود، منها ما يتعلق بزواجها الأول وإنجابها (؟!)، ومنها ما يتعلق بجنسيتها، إذ كان لدى جمهورها إعتقاد شديد بأنها اردنية وليس لبنانية ، وذلك يعود للون الغنائي البدوي الذي تؤديه وتبرع فيه. والـ”أردنيون الذين كانوا خلال اواسط الستينيات يفتقدون لوجود مطربة من بلدهم، بحجم فيروز وصباح ونجاح سلام وسعاد محمد وفايزة احمد وسواهن في لبنان.. ومثلما ام كلثوم وليلى مراد واسمهان وغيرهن في مصر، و”ابتسام لطفي” في السعودية .. فانهم كانوا يرفضون أن يصدّقوا ان سميرة توفيق لبنانية ومن من منطقة الرميل المتاخمة جغرافياً للجميزة، ويصرّون على أنها من عشائر الأردن ، حتى ولو خامرتهم احياناً الشكوك، لكثرة المقالات والتوضيحات التي إهتمت الصحافة اللبنانية بنشرها في تلك الأحيان ، من باب الاعتزاز بهوية “سمراء البادية” ، تماماً مثلما كان شعور الأردنيين.. أما سميرة نفسها فكان شعورها منقسماً بين هويتين: الولاء لوطنها الأم الذي تحمل جنسيته، والولاء لوطنها الثاني- وربما “الأول” أيضاً !- الذي منحها هويتها الفنية التي ظلت رائدته بدون منازع طوال سنوات نجوميتها التي امتدت منذ السبعينات وحتى إعتزالها قبل سنوات بحكم العمر وتسيّد الغناء الاستهلاكي على حساب الغناء الجميل .. ومن منا لا يذكر أغنيتها البدوية الشهيرة “بالله تصبّوا هالقهوة وزيدوها هيل .. واسقوها للنشامة عظهور الخيل”، وهي من التراث الأردني الذي أعاد توزيعها وتحديثها الفنان الأردني الراحل جميل العاص، ملحن عشرات الأغنيات من تراث سميرة توفيق الغني، والذي نهل منه مطربون ومطربات عديدون فصنعوا نجوميتهم بفضله، لكن كانت المطربة ديانا حداد أكثر الجميع وفاءً واعترافاً بذلك !!
اليوم، وبعد نحو 50 سنة من تلك العلاقة المثلى ، وذاك الانتماء الصادق بين سميرة توفيق (اللبنا – اردنية!) وجمهورها الأردني ، المشهود له بالوفاء دائماً .. فان هذين الانتماء والعلاقة لم يتغيّرا ولم يتأثرا، رغم إعتزال الفنانة الكبيرة واحتجابها عن الأضواء، وزواجها وإقامتها في السويد طوال السنوات الأخيرة ، ثم عودتها لتقيم مع من بقي من أسرتها واشقائها في عمارتها بالحازمية والتي كانت شيّدتها لتكون ملاذاً لها ولهم في آخرتهم..
اليوم، ما زال الأردنيون يعتبرون سميرة توفيق “إبنتهم”، بالروح وبصدق المشاعر وليس بالغناء فقط.. مثلما تُعتبر صاحبة أجمل شامة على وجه مطربة، ان الأردن بلدها الأول أيضاً، وصاحب الفضل الأكبر على مسيرتها الطويلة.. فهذا الشعب الوفي، توارث الحب لفنانتهم، الوفية بدورها، من جيل الى آخر، مثلما يتوارثون الوفاء والأصالة في كل أمورهم الحياتية والمصيرية.
لأجل كل ذلك، لم يكن مستغرباً قيام ملك الأردن عبدالله الثاني ، منذ ايام، بتقليد الفنانة سميرة توفيق “وسام الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للتميز من الدرجة الأولى”، وذلك “تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة والرائدة في إثراء التراث الموسيقي والغنائي الوطني”.
وكانت الفنانة سميرة توفيق قد شاركت – رغم ظروفها الصحية المعروفة- بحفلة دبلوماسية وطنية بمناسبة احتفالات العيد الحادي والسبعين لاستقلال المملكة الاردنية، وقدّمت بمصاحبة الجوقة الوطنية الاردنية أغنيتين باللهجة الأردنية هما “فدوى لعيونك يا اردن” و”اردن للكوفية الحمرا”، اضافة الى أغنيتها الشهيرة “بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل”، فوقفت وغنّت رغم ان الوقوف المطول لا يسعفها، لكنها وقفت ونسيت آلامها ، وهي في حضرة الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا، واعيان وكبار الدولة….
هذا التكريم الكبير، من ملك كبير، لفنانة كبيرة، جاء في محله وتوقيته.. فسميرة لا تحتاج اليوم إلا الى بادرة بحجمها، فكيف اذا كانت من البلد الذي حملت هويته الفنية وليس من الذي تحمل جنسيته (عقبال تكريمها من بلدها الام!!) .
أما ما يلفت ويدعو الى الاعتزاز في هذا التكريم، فهو أن الملك عبدالله هو الذي تولى تكريم الفنانة سميرة توفيق شخصياً ، وبمشاركة عقيلته الملكة رانية، فلم يعهد بالأمر الى وزير الثقافة أو لأي مسؤول آخر.. وهذا قمة التكريم وقمة التواضع.. ولعلّ الصورة المنشورة مع هذا المقال تؤكد على طبيعة التكريم والتواضع ، حيث يظهر صاحبا الجلالة وهما واقفيْن بكل الآداب الأردنية الجمّة، فيما الفنانة المكرّمة تجلس على المقعد ، بحياء وسعادة معاً، تحت وزر وضعها الصحي الذي فرض عليها ذلك!
مبارك تكريمك الرفيع يا مطربة البادية السمراء… وشكراً من الأعماق لجلالة المكرِّم، إبن الشهامة والكرم والتواضع والسلالة الأصيلة .
*مجلة ألوان