أخبار لبنان

هذا ما يحدث في نفسية الطفل الذي يتلقَّى الهدايا باستمرار

المصدر هاف بوست عربي

الترقب والحماس المشوب بالفرحة التي تظهر في عيون الطفل وهو يقف أمام والديه وفي يديه القائمة التي كتب فيها بنفسه رغباته وأمنياته لهدايا عيد الميلاد. الإثارة والفرحة عندما يأتي اليوم الذي طال انتظاره أخيراً.

أصوات الأجراس وفتح باب غرفة المعيشة ببطء، شجرة عيد الميلاد وتألق الهدايا من تحتها. الموسيقى، لمعة الفرحة في عيون الطفل عندما يجد علبة الهدايا وفي داخلها القطار الذي طالما كان يحلم به.

الاحتفال بعيد الميلاد مع الأطفال من الممكن أن يكون أحد أفضل التجارب على الإطلاق. حتى عند الكبار، تحتفظ أيام الأعياد بنفس سحرها، ونستعيد فيها البهجة التي ربما قد نفقدها مع تقلبات الحياة.

إلا أن العديد من الأسر قد حولت عيد الميلاد الآن من احتفال زاخر بالحب، إلى مهرجان للتسوق ومباراة في الاستهلاك والإسراف. وهذا ينطبق أيضاً على جميع الأعياد الأخرى.

نجد أكواماً من الهدايا حتى لدى الأطفال الصغار جداً، لن تنفعهم ولن يفعلوا بها أي شيء، وينشغل الجميع بنفسه وما يحمله من تلال الهدايا. ويتوارى الإحساس المشترك بالعيد والاحتفال الجماعي ليصبح مجرد خلفية لهذا “السُّعار” الشرائي.

هدايا كثيرة جداً تُرهق الأطفال
إلا أن هذا ليس أسوأ ما في الأمر، فما لا يعرفه غالبية الآباء والأمهات، أن الهدايا لها أيضاً تأثير رهيب على نفسية الأطفال.

تقول عالمة النفس سفينيا لوثج “الإكثار من الهدايا يُرهق نفسية الطفل، فالطفل الذي يحصل على عشر هدايا مثلاً لا يفرح بأي واحدة منها، لأن الفرح يتشتت ويتبدد داخله فلا يعرف إلى أي منها يوجه فرحته”.

ويؤكد طبيب الأطفال المعروف هربرت رينز بوليستر أن هذا يشبه الثناء المبالغ فيه على الطفل “الثناء يفقد أيضاً قيمته عندما يتم إغراق الأطفال به”.

ويضيف رينز بوليستر، الذي كتب عدة كتب عن التربية العاطفية للأطفال، أن هدايا عيد الميلاد لا ينبغي أن تكون هي الجزء الرئيسي في هذه الليلة “عندما نعطي الأهمية الأكبر للهدايا، فإننا بهذا نورثهم الاستغراق في الماديات وإهمال المشاعر الأخرى”.
ويحذر رينز بولستر من أن هذا من الممكن أن يفسد كل شيء لدى الأطفال “فرحة العيد، التي يفرح بها ويترقبها الأطفال قبل قدومه بوقت طويل، السحر، والتألق؛ كل شيء يضيع. وتنطفئ الفرحة شيئاً فشيئاً في عيون الأطفال الذين ينشغلون بفتح الهدايا واحدةً تلو الأخرى في هذه الليلة”.

الأطفال يجب أن يعرفوا أن لهم قيمة كبيرة عند آبائهم، ويمكن تفسير هذا التأثير نفسياً ببساطة.

حتى نفهم ما الذي يفعله جبل الهدايا في نفسية الأطفال، يجب أن نعرف أولاً ما الذي يحتاجه الأطفال حقاً في تربيتهم.

يقول آرمين كرينز، المحاضر في علوم التعليم الأساسي، وأستاذ علم النفس التربوي، ومؤلف العديد من الكتب “أكبر هدية يمكن أن تمنحها لطفلك هي مصاحبته ورعايته وتفهم نفسيته، الأطفال بحاجة إلى زاد روحي مستمر، ونبع عاطفي لا ينضب”.

أهم شيء يجب أن يكتسبه الطفل في سنوات عمره الأولى هو اليقين والثقة بالنفس “أنا محبوب، أنا أعني شيئاً ذا قيمة كبيرة لوالديَّ، أنا مرغوب لذاتي وموضع ترحيب ممن حولي، يقدرني الآخرون ويحترمون شخصيتي”.

عدم الموازنة بين الاحتياجات العقلية والنفسية وكمية الهدايا
يؤكد كرينز “إذا كانت هذه العلاقة العميقة والصلبة غير موجودة، فإن الأطفال يعتقدون أشياء من قبيل (أنا ليس لدي قيمة إلا بما لديّ) أو (إذا لم أحصل على الهدية التي طلبتها، فأنا إذاً ليس لي قيمة)”.

أعني أن الاحتياجات النفسية الأساسية للأطفال باتت الآن غاية في الأهمية.

ويضيف كرينز، الذي عمل لسنوات عديدة في المعهد الشهير للتربية وعلم النفس التجريبي في كيل “إذا لم يكن هناك توازن بين الاحتياجات العاطفية من جهة وكمية الهدايا من جهة أخرى، فإنه يتولد لدى الطفل شعور بالحاجة إلى الإشباع المادي فقط، ويتنامى هذا الشعور ليطغى على ما عداه من المشاعر الأخرى”.

ومن بين الاحتياجات العاطفية المقصودة هنا على سبيل المثال، أن يشعر الأطفال بالاحترام، والحب، والتقدير، وأن آباءهم يُنصتون إليهم، ويهتمون بهم وبمشاعرهم ويقدرون اهتماماتهم.

ويُضيف الطبيب النفسي “الأطفال يستعيضون عن هذا الخلل بتجميع الهدايا والأشياء المادية”، بالمناسبة، هذا يسري أيضاً على الكبار.

نقص هرمونات السعادة في المخ

هذه الأشياء المادية لها عيبان أساسيان أيضاً “إما أنها سرعان ما تؤدي إلى فقدان التحفيز – وهذا يجعل الهدايا تفقد مع الوقت أهميتها لدى الأطفال، أو أنها تجعل الأطفال يصبون اهتمامهم بالكامل على هذه الهدايا ولا يُظهرون أي اهتمام بالبيئة المحيطة بهم”.

وبحسب كرينز فإننا إذا درسنا حالة المخ في تلك اللحظة، يمكننا ملاحظة “أن عدم الشعور بالاحتياج يؤدي إلى نقص هرمون الدوبامين المسؤول عن الإحساس بالسعادة في المخ، فيحاول المخ تعويضه بموجات الفرح التي يحصل عليها الطفل في أوقات محددة، وبالتالي لا يستطيع الطفل أن يشعر بهذه السعادة إلا بالحصول في كل مرة على شيء جديد”.

ونتيجة لذلك “يغرق الطفل في دوامة الرغبة القاتلة”.

ويقارن كرينز هذا التأثير بما يحدث كذلك لدى البالغين من مدمني القمار “إنهم يخسرون في كل مرة، ولكنهم يقولون لأنفسهم “كلما لعبت أكثر كانت فرصتي أكبر في الفوز في المرة القادمة”.

هذا الاعتياد والملل من الأشياء غالباً ما يظهر لدى الأطفال في صورة عجز عن تنمية القدرات والمهارات، والافتقار للإبداع.

دوامة الرغبة تجعل الأطفال أنانيين
يقول كرينز، الذي كان أيضاً معالجاً ومستشاراً أسرياً لفترة طويلة “لقد رأيت العديد من الأطفال الذين لديهم غرفة ألعاب مليئة بأشياء كثيرة جداً، وكانوا يقولون “إننا نشعر بملل شديد”، لم يتمكن الأبوان من بناء علاقة قوية معهم، تساعدهم على تحسين حالتهم النفسية وتجديد نشاطهم الذاتي”.

وهذا يعني أن الأطفال الذين يرتبطون بعلاقة قوية مع والديهم، ويشعرون بحبهم، أكثر إبداعاً وقدرة على خلق وابتكار أشياء جديدة من تلقاء أنفسهم.

ويضيف كرينز أن دوامة الرغبة تؤدي إلى تنامي نزعة الأنانية لدى الأطفال “هؤلاء الأطفال يظلون في بحث دائم بلا أمل عن السعادة”.

فإذا كان الأطفال يتضررون بهذا الشكل الهائل من الإفراط في الهدايا، فلماذا يصر العديد من الآباء والأمهات والأقارب على إعطاء الهدايا للأطفال بهذا السخاء المفرط؟

ينفق الآباء أموالاً طائلة على لعب الأطفال كل عام. بحسب معهد البحوث التجارية في كولونيا، بلغت آخر قيمة لهذا الإنفاق 6.5 مليار يورو سنوياً.
كثيراً ما يُرسل الآباء لأبنائهم بهذه الهدايا رسائل خاطئة
يرى طبيب الأطفال رينز بوليستر أن معظم الآباء يعتقدون أن الهدايا شيء جيد “ولكنني أشعر بالأسف تجاه الآباء والأمهات الذين يغمرون أطفالهم بالهدايا حتى يبينوا لهم فقط أنهم يحبونهم”.

يؤكد الطبيب النفسي كرينز أنه في كثير من الأحيان تصاحب الهدايا بعض الإشارات الخاطئة “غالباً ما يلجأ العديد من الآباء والأمهات إلى إعطاء الطفل بعض الألعاب فقط لإلهائه والحفاظ على هدوئه، وهذه الألعاب غالباً ما تكون عبارة عن أجهزة إلكترونية مثل التلفاز، أو الهواتف الذكية، وأجهزة الألعاب، أو الملابس الجديدة”.

“هذه الهدايا غالباً ما تكون بمثابة تعويض للأطفال عن قضاء الوقت معهم، وحتى يُريحوا ضمائرهم يحاول الآباء والأمهات على الأقل تلبية كافة احتياجات الأطفال من هذه الأشياء”.

ولكن كيف يمكن للوالدين تقديم هدايا لأطفالهم بشكل صحيح؟
تنصح عالمة النفس سفينيا لوثج بهذه القاعدة البسيطة “كلما كان الطفل أصغر سناً كان على الآباء والأمهات أن يضعوا هذا الشعار في أذهانهم “الأقل يعني الأكثر”، أي كلما قلت الهدايا وزاد الحب نمت ونضجت الشخصية”.
يجب أن نحافظ على أن تظل للهدايا دائماً فرحة خاصة
وتضيف “أسعد لحظة لدى الطفل، هي عندما يحصل على هدية يستطيع اللعب بها مباشرة، دون الحاجة إلى إعادة تركيبها بنفسه، على سبيل المثال، إذا وجد طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات لعبة المتجر التي كان يحلم بها جاهزة أمامه، فلن يتمكن أحد من إخراجه منها طوال المساء”.

ويرى زميلها كرينز “أن قيمة الهدايا تكمن في قدرتها على تحفيز التطوير والإبداع، وفي نفس الوقت تحقيق المتعة الدائمة”. كما ينصح الآباء “بأهمية ابتكار أفكار جديدة، والتفكير الجيد في أنواع الهدايا التي يقدمونها لأطفالهم”.

“الهدايا العينية تعتبر مثالية إذا كانت تساعد الطفل الصغير على الابتكار والإبداع عن طريق صنع أشياء بنفسه، مثل تكوين الأشكال، والمكعبات، أو الدمى الناطقة بلسانهم”.

كما يوصَى كذلك بالألعاب التي تعزز من قدرتهم على التواصل مع الآخرين.

“ألعاب الطاولة – وهي أكثر من أن تُحصى – مثل النرد، والشطرنج، وغيرها، تعزز العلاقات بين أفراد الأسرة، وتخلف لدى الأطفال ذكريات عائلية جميلة لا تُنسى”.

قاعدة أقل الهدايا أكثرها تأثيراً
يؤكد طبيب الأطفال هربرت رينز بوليستر، أنه ليس هناك بالطبع اعتراض على ألعاب الأطفال، طالما تم اختيارها بعناية.

وحكى قائلاً “ذات مرة أهداني عمي أنا وأخي كرة قدم، كانت منقوشة بلون مزيج بين الفيروزي والبرتقالي، وكنا نلعب بها طوال الوقت، وإلى اليوم يغمرني من داخلى شعور دافئ كلما رأيت اللون الفيروزي والبرتقالي في أي مكان”.

ينصح كلا الخبيرين رينز بوليستر وكرينز أيضاً الآباء والأمهات بإعطاء أبنائهم بعض الهدايا التي يصنعها الأب أو الأم بأيديهم، أو أن تكون الهدية عبارة عن بعض “المنح” العاطفية واللحظات السعيدة، يقول كرينز “ليس شرطاً أن تكون الهدايا الجميلة مادية أو عينية فقط، من الممكن أن تكون مثلاً “قسيمة” قيمتها عشرة أحضان، أو عشر أمسيات إضافية من القراءة وحكاية القصص الجميلة”.

وتؤكد لوثج أن مبدأ أقل الهدايا، الأكثر تأثيراً، لا ينطبق فقط على أعياد رأس السنة، أو أعياد الميلاد، ولكن على مدار العام.
الأطفال يجب أن يتعلموا أنه ليس بالضرورة تحقق كل الرغبات، وتضيف “يجب أن يتعلم الأطفال التخلي والتنازل عن بعض الرغبات، عليهم أن يفهموا أنه لا يمكن الوفاء بكل رغبة لديهم على الفور، عندما يشتري الآباء لأبنائهم دائماً كل ما يطلبونه على الفور، فإنهم بهذا يسلبونهم فرحة قدوم العيد، وسحر انتظار عيد الميلاد”.

بالإضافة إلى ذلك فإن هذا يوهن عزيمة الطفل، ويجعله يفتقر إلى ثقافة التصالح مع واقعه وتقبل الإحباطات، لمجرد أنه لم يحصل على ما يريد على الفور.

وتنصح الطبيبة النفسية “من حيث المبدأ يجب ألا يكون هناك سقف لأمنيات الطفل، ينبغي أن يتمنى ويرغب في أي شيء، ولكن يجب أن يكون واضحاً أنه لا يمكن تحقيق كافة هذه الرغبات”.

الشفافية من جانب الآباء والأمهات مهمة جداً. “يمكنكم أن تقولوا للطفل على سبيل المثال “لقد كتبت في قائمة الأمنيات أنك تريد حصاناً صغيراً، ونحن لن نستطيع تحقيق تلك الرغبة، ولكن دعنا نفكر في ما يمكننا القيام به معاً”.

من الممكن أن يكون الحل المُرضي والمناسب على سبيل المثال في هذا الأمر، الاشتراك في دورة لتعلم ركوب الخيل “من الجيد أن نستمع إلى القائمة الطويلة جداً من الرغبات والأمنيات التي يُبديها الطفل، وأن نكون قادرين على التمييز بين تلك التي يتعلق بها حقاً قلب الطفل، وتلك التي قد ينساها لأنها ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة له”.

قواعد واضحة تجاه الآخرين من أفراد الأسرة

هذا عن الوالدين. ولكن ماذا عن الأقارب، والمعارف؛ الأجداد، والعمات، والأعمام، والأصدقاء؟ كيف يمكن للوالدين التعامل مع طوفان الهدايا الذي يُغرق أطفالهم من الخارج؟
هنا أيضاً يتفق الخبراء على أن الحل الوحيد هو مبادئ وقواعد واضحة ومعلنة، عن كمية الهدايا التي يُسمح بقبولها، وكذلك عن قائمة الهدايا “المحظور” تقديمها لأطفالنا.

يقول رينز بوليستر “مع ازدياد الأقارب والمعارف والأصدقاء، يعلو جبل الهدايا، وينشأ ما يشبه السباق والتنافس المذموم، فإما أن يقوم الآباء مثلاً بالاقتراح على الآخرين أن يشتركوا معاً في هدية واحدة أكبر، أو أن يحددوا لهم قواعد واضحة وصارمة للهدايا، وألا يسمحوا أبداً بتجاوزها”.

لذلك، إذا وجدتم أنفسكم بعد أسبوعين ضجرين في أحد المتاجر المزدحمة، تمسكون في أيديكم جراراً بلاستيكياً من أجل أطفالكم، وبنات أخوتكم، وأبناء الجيران – فكروا أولاً، هل هذه الهدية سوف تُثري حياة هؤلاء الأطفال بالفعل، ألا تكفي أكوام الهدايا التي كتبها الأطفال في قائمة رغباتهم وما زالت مغلفة في المنازل؟

بدلاً من إرهاق أنفسكم قبيل عيد الميلاد وإضاعة الوقت بالتسوق، امنحوا هذا الوقت لأطفالكم. هذا هو الشيء الوحيد الذي سينفعهم بالتأكيد.

سوف يشكركم أبناؤكم – سوف تتألق الفرحة في عيونهم تحت شجرة عيد الميلاد، وفي جميع الأيام الأخرى من العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى