أخبار لبنان

الجانب المظلم للذكاء العاطفي.. متى يكون امتلاك مهارات الـ EQ “نقمة”؟

المصدر :هافينغتون بوست عربي

عندما ألقى مارتن لوثر “خطاب الحلم” اختار لغة أسرت قلوب جمهوره بدلاً من استخدام خطاب عاطفي؛ إذ بشرهم بالحلم قائلاً إن الأرض التي تتأرجح مع حرارة القمع يمكن أن تتحول إلى واحة من الحرية، وعندها يصبح أبناء العبيد السابقين وأبناء ملاك العبيد أصدقاء وإخوة على تلال جورجيا الحمراء.

تطلب هذا الخطاب الذي سطرت كلماته تاريخ السود في أميركا والعالم أجمع، القدرة على التعرف على عواطف الجمهور وتفهّمها وإدارتها، وكذلك إدارة مشاعره الخاصة لإثارة جمهوره، وهو ما يمكن توصيف بـ”الذكاء العاطفي”، أو EQ.

ما هو الذكاء العاطفي (EQ)؟

الذكاء العاطفي (Emotional Quotient) (EQ)، هو أن يدرك الشخص مشاعره وأحاسيسه الشخصية ويديرها ويتحكم فيها بما يتناسب مع المواقف، ويفهم مشاعر الآخرين للتأثير فيهم.

لذا، يُعتقد أن الذكاء العاطفي أحد أساسيات النجاح في الحياة بدرجة أكبر من الذكاء العادي (IQ)؛ إذ يرتبط بقدرات على التعامل مع المصاعب، وحل النزاعات، وفض الخلافات، والتعبير عن المشاعر، والتكيف مع المواقف الاجتماعية، فيفيد مثلاً في تحويل الشجار مع الأبناء إلى تشجيع وتحفيز على التعاون.

وقد تغذت بعض أعظم لحظات التاريخ الإنساني على “الذكاء العاطفي”، كما استُخدم لحل عدد من المشاكل الاجتماعية المتأصلة، وأفاد أيضاً في الحياة الأسرية والاجتماعية؛ إذ يرتبط بالذكاء الاجتماعي والمهارات القيادية، وكذلك في الحياة المهنية والإدارة، لذا دُرس على نطاق واسع في المدارس والجامعات بمختلف تخصصاتها. وبالفعل هذا الذكاء في إدارة المشاعر مهم بحق، لكن الحماسة له حجبت عنا جانبه المظلم.

إذ اعتقد العلماء، لفترة طويلة، أن فهم ومعرفة مشاعر الآخرين من غضب أو حزن أو دهشة هو مفتاح للتواصل معهم وامتلاك القدرة على التأثير فيهم والاقتراب منهم، لكن دراسة جديدة تفترض وجود آثار سلبية لهذه الموهبة من “التنصت على مشاعر الآخرين”، تتمثل في التوتر الزائد، وهي الخلاصة التي تشكل تحدياً للرأي السائد عن الذكاء العاطفي بأنه ميزة لصاحبه دائماً.

الجانب المظلم

ففي دراسة نُشرت أواخر العام الماضي، طلب علماء النفس بجامعة فرانكفورت الألمانية من 166 طالباً الإجابة عن سلسلة من الأسئلة لقياس نسبة الذكاء العاطفي لديهم، كما عرضوا على الطلاب صوراً لبعض الوجوه وسألوهم إلى أي مدى يرون أن الوجوه تعبر عن مشاعر سعادة أو اشمئزاز، ثم قام الطلاب بالحديث أمام محكّمين يعرضون تعبيرات وجه قاسية، وقد قاس العلماء تركيز هرمون التوتر -الكورتيزون- في لعاب الطلاب قبل المحادثة وبعدها.

وتبين أن الطلاب الذين صُنفوا أذكى عاطفياً زادت علامات الإجهاد عليهم خلال التجربة أكثر من الآخرين، كما استغرقوا وقتاً أطول للعودة إلى الحالة الطبيعية، وأشارت النتائج أيضاً إلى أن بعض الناس قد يكونون عاطفيين جداً من أجل مصلحتهم الخاصة وقد يسببون المتاعب.

وإضافةً لذلك، اكتشف العلماء جانباً مظلماً للذكاء العاطفي، يتمثل في أن الأذكياء عاطفياً أكثر عرضة لمشاعر الاكتئاب واليأس، وأيضاً إمكانية استخدام الذكاء العاطفي من قِبل بعض الناس للتلاعب بالآخرين وتحقيق مكاسب شخصية، حسب دراسة أجريت عام 2002.

وقد تزايدت الأدلة التي تؤكد أن الناس الذين يستخدمون ذكاءهم العاطفي يكونون أكثر قدرة على التلاعب بالآخرين، كما يكونون قادرين على إعطاء صورة إيجابية مغلوطة عن أنفسهم للآخرين، وقد يتورطون في تبرير أفعال خاطئة.

متى يصبح الذكاء العاطفي خطراً؟

المشكلة، هي أن EQ “محايد أخلاقياً”، لكنه يصبح سلاحاً خطراً حينما يُستخدم بأنانية لخدمة المصالح الذاتية، وفي دراسة لجامعة تورونتو الكندية أظهرت النتائج أن الموظفين الذين يمارسون ضرراً على زملائهم كانوا الأكثر امتلاكاً للذكاء العاطفي، فيمكن استخدامه للمساعدة والتعاطف، وحماية وتعزيز الذات والآخرين، أو بدلاً عن ذلك يمكن استخدامه لتعزيز الذات على حساب الآخرين والتلاعب بهم.

بطريقة أو بأخرى، يعد EQ ميكافيللياً جداً، مبني على المصلحة المادية والوصول للسلطة وتحقيق الأهداف الخاصة، ويمكن عبره التلاعب بالآخرين اجتماعياً من أجل تحقيق الغايات الأنانية الخاصة، وعندها يصبح الآخرون أدوات اجتماعية يستخدمها الشخص ليدفع نفسه إلى الأمام على حسابهم.

لذا عزيزي القارئ كن حذراً، ولا تنظر لوجهٍ واحد من الأشياء من حولك، فالذكاء العاطفي قد يصنع إنساناً لطيفاً أو شخصاً خبيثاً!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى